روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | الصبر في الدعوة.. إلى الله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > الصبر في الدعوة.. إلى الله


  الصبر في الدعوة.. إلى الله
     عدد مرات المشاهدة: 4751        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، أما بعد:

فنحمد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذي وفقنا للإيمان به، والتمسك بكتابه، واتباع سنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

كما نحمده حيث يسَّر المراكز التي احتضنت الشباب فربتهم وغذتهم، ووسعت مداركهم، وفقهتهم في دينهم، وحفَّظهم من كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

ونمّت عقولهم وأجسامهم، فشكر الله تعالى للقائمين عليها، وأجزل مثوبتهم عنده، ووفق جميع الآباء والطلاب للالتحاق بها وبأمثالها إنه سميع مجيب.

ثم إن من الموضوعات المهمة: منهج الدعوة، والأسلوب الصحيح في إنكار المنكر، وفي فقه الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وفي طلب العلم، وكل ما من شأنه أن يكون منهجًا مسددًا صائبًا وفق منهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

من الموضوعات المهمة في فقه الدعوة: ما يتعلق بالاستعجال، فهذا أمر جدير بالبحث والمطارحة والمناقشة من الجميع، وسوف أذكر إن شاء الله ما يسر الله لي ولو بإشارات إلى رءوس الموضوعات.

أول ما نقوله في هذا الشأن: أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال: خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ [الأنبياء:37]، وقال عز وجل: وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولًا [الإسراء:11].

فالإنسان بطبيعته عجول، والنفس الإنسانية بطبيعتها عجلة، وهذا أمر جعله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيها لحكمة عظيمة، لا نستطيع الآن أن نستعرضها، ولكن حكمة الله أن يكون في الإنسان هذا الطبع وهذه الصفة وهذه الغريزة.

ولو أن الناس لم يمنحهم الله تبارك وتعالى العقل والأناة، لأكلوا الثمار قبل أن تنضج، ولربما أكلوا الطعام قبل أن ينضج، إذ في الإنسان هذا الطبع، فإذا كان في طبع الإنسان باعتباره إنسانًا أيًا كان مؤمنًا أو كافرًا أن يستعجل، وخلق من عجل، فهذا يوضع في الاعتبار بالنسبة للإخوة الدعاة وبالنسبة للناس المدعوين.

أما بالنسبة للدعاة فيجب أن يحمل بعضنا بعضًا على المحمل الحسن، وإذا رأينا هذا الاستعجال من أنفسنا أو من إخواننا الدعاة، فلنعلم أن الطبيعة البشرية قد غلبت جانبًا آخر، فلنذكِّر أنفسنا به، وهو "الحكمة والأناة"، حتى لا تغلبنا هذه النزعة وهذه العاطفة.

وبالنسبة للمدعوين نحتاج إلى أناة، إننا نريد أن نقول الكلمة اليوم فنرى أثرها عاجلًا الآن أو غدًا، نريد أن نقول للناس: هذا حرام، فينتهي الجميع عنه، أو نقول لهم: هذا واجب، فسرعان ما نجدهم قد فعلوه، وامتثلوا أمر الله فيه.

والأمر ليس كذلك أبدًا، فلِكَوْنِ الاستعجال من طبيعة البشر، ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في القرآن بيانًا شافيًا كافيًا له احتى يغير به الأمور والأحوال.

 ومن ذلك ما ذكره الله في آيٍ كثيرة أن الرسل الكرام عندما يدعون أقوامهم إلى الله وتوحيده يخوفونهم من عذاب الله، وينذرونهم عاقبة المعاصي، والظلم، والجور، والفساد، فإن الجواب عند كثير من الأمم هو استعجال العذاب وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47].

انظر حلم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وسنن الله! يستعجلون أن تحل بهم العقوبة، ولهذا جاء الرد عليهم في آيٍ كثيرة، قال الله تبارك وتعالى: أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء:204-207].

سبحان الله! يستعجلون بالعذاب اليوم، لو فكروا كم سيعيشون، أرأيت إن أمهلهم الله وجعلهم يتقلبون في البلاد؟!

أهذا يعني أنه لن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر؟! سبحان الله! أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ [الشعراء:205] هب أن الأمر كان كذلك ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء:206-207] هنا المحك، وهنا المعيار.

سل من تمتع وتقلب في أنواع الملذات العمر كله، لحظة أخذ الله له أخذ عزيز مقتدر، هل أغنى عنه ذلك المتاع شيئًا؟! قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ [يونس:50]، فإذا أتاه العذاب تذهب تلك النعمة، وتلك اللذات والشهوات، ولهذا في الحديث الصحيح:

{أنه يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الأرض من أهل الدنيا، وهو من أهل النار، فيغمس في النار غمسة واحدة، فيقال له: هل رأيت نعيمًا قط؟

هل ذقت نعيمًا قط؟ فيقول: لا والله، ما ذقت نعيمًا قط والعكس، يؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيغمس في الجنة غمسة واحدة، يقال له: هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مرَّ بك شدة قط؟ فيقول: لا والله! ما ذقت بؤسًا قط}.

إذًا العبرة بالنتائج، فلماذا نستعجل؟

فالمشركون يستعجلون العذاب في معرض التحدي للرسل، وأن الرسل-صلوات الله وسلامه عليهم- غير صادقين فيما يعدون به من العذاب، والرسل الكرام يحذرونهم ويبينون لهم أن هذا الإمهال ليس إهمالًا، وأن التأخير ليس إغفالًا.

ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يمهلهم، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته؛ ولذلك يضرب المثل بالأمم التي سبقت من قبلنا تنعمت وعصت أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:6-14]، فلم الاستعجال إذًا؟!

ألا ترون ما فعل الله بحضارة عاد؟! وهي من الحضارات المندثرة، التي يحكى عنها الغرائب، كما قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه لما دخل مدينة دمشق ورأى ما فيها من النعمة والترف بالنسبة إلى ما كان يراه في المدينة، [[يا أهل دمشق، ما لي أراكم تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون؟!

إن الأمم قبلكم قد بنوا فشادوا، وجمعوا فأوعوا، وإنه قد بلغنا عن عاد أنهم بنوا لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، فمن منكم يشتري تركة آل عاد بدرهمين؟]] لا أحد، لأنه لا وجود لها، فقد محيت، وذهب بها الله.

والحضارة الفرعونية إلى الآن، لم يصل العلم الحديث إلى كثير مما كانوا يتعاملون به مع التقنية واستخدام العلم، مثل تحنيط الموتى، ومثل تفريغ الهواء.

فإلى الآن يعجب العلم الحديث كيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه، وهم الآن قد ذهبوا، وقد كانوا يستعجلون العذاب! كما أن الكفار في كل زمان ومكان يستعجلون العذاب، ويرون أنه تأخر.

وإذا طال عليهم الأمد وقست قلوبهم ونسوا وعد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ووعيده، ركنوا إلى الدنيا وإلى الملذات والشهوات، وغفلوا عن كل ما جاء من عند الله فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:44] تأتيهم الخيرات-وهذا الواقع الآن- الحضارة الغربية اليوم عندما نقول للناس:

إن الغرب سيسقط، إن الغرب ليس بدائم؛ لأنه يعصي الله، ولأن عذاب الله تعالى الذي دمر الحضارات جميعًا سيدمره، يرى بعض المتفرنجين أو المتربين على آرائهم وأفكارهم، أن هذه الحضارة تملك مقومات الأبدية أو شبه الأبدية، نعم فيها مقومات لأن تستمر إلى ما شاء الله، لكن لابد من يوم يأخذهم الله تبارك وتعالى فيه إلا أن يؤمنوا بالله وحده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهكذا كل حضارة وكل أمة.

فالكفار يستعجلون العذاب، وهو واقع بهم لا محالة، ويرون ما أعده الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من العذاب بعيدًا، سواءً عذاب الدنيا أم عذاب الآخرة، وهو أشد قال تعالى: وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [القمر:46]، وقال تعالى: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا*وَنَرَاهُ قَرِيبًا [المعارج:7-8] هذا شأنهم وهذا حالهم.

وأما ما يتعلق بالمؤمنين فإن استعجالهم من نوع آخر، وهو استبطاء النصر من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]، فهو قريب لكنهم يستعجلون.

{ولهذا جاءوا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو متوسد في ظل الكعبة، فقالوا: يا رسول الله! ادع الله على قريش! وشكوا إليه ما وجدوا، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والله ليتمن الله هذا الأمر حتى تسير الظعينة أو الراحلة من صنعاء إلى حضرموت، ولكنكم قوم تستعجلون}، لا تستعجلوا، وقد أتم الله تعالى هذا الدين.

{جاء سراقة بن مالك وقد منَّى نفسه بالمائة ناقة، وتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعد أن حدثت الآية العظيمة، وساخت قوائم فرسه، يقول له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبشر بسواري كسرى، يا سراقة أمن أجل الدنيا تأتي}.

فوعده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسواري كسرى، خيال!!! سواري كسرى! من يحلم أن يرى كسرى؟! من كان يطمع من العرب أن يذكر كلمة كسرى؟! وكسرى أين هو؟!

شيء فوق الخيال! وهذا الأعرابي يُوعَد به.

وممن يُوعَد به؟!!

يوعد به من رجل خرج خائفًا لينجو بنفسه صلوات الله وسلامه عليه، ومعه الصديق، خرجوا خشية أن يقتلهم الذين كفروا أو يثبتوهم، سبحان الله!

في هذه الحالة! وهل أمنت على نفسك؟!

هذا هو المنطق البشري، منطق الذين يقولون دائمًا: الأمر حسابات، واعتبارات وخطط.

أنت الآن تريدني أن أرجع، حتى لا أقبض عليك، وحتى لا أدل قريشًا عليك، وتعدني مع ذلك بسواري كسرى!

ولم يقل بعد جيل أو جيلين، انظروا إلى أين يؤدي ضعف الإيمان دائمًا والاتكال على الأسباب المادية، وعلى النظرة المادية مهما كان عمق التخطيط، كما يظن، فلله تعالى حكم وسنن أعظم من ذلك كله، وفعلًا: لبس سراقة سواري كسرى. الله أكبر!

وعندما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحفر الخندق هو وأصحابه، بشرهم أيضًا بفتح كسرى، وإيوانه.

قال المنافقون: هذا محمد وأصحابه يعجز أحدهم أن يقضي حاجته، ويعدهم بقصور كسرى!

انظروا ضعف الإيمان، وضعف الثقة بالله، والنفاق!! ومع ذلك حقق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذلك، كما تعلمون-والحمد لله- وصدق فيهم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبشارته: {إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل}.

لا تستعجلوا..! الكنوز والحضارات التي تبنى، والمليارات التي يملكها الكفار، والذي نفسي بيده إن صدقنا مع الله لتنفقن في سبيل الله!

هذه التي جمعت من حرام، أو ربما جمعها الكفار من أموال المسلمين، لا نستعجل: {والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل}، فيكون الأمر عكس ما أملوا، جمعوها ليقاوموا بها الدين والإسلام، فالله عز وجل يجعلها غنيمة للإسلام والمسلمين. يستعينون بها على الجهاد في سبيل الله.

لو خرج المسلمون يريدون أن يأكلوها أو يتمتعوا بها ما أُورثوها، ولذلك في هذا الحديث تنبيه للمؤمنين، {لتنفقن كنوزهما في سبيل الله} فإن قاتلنا فلله، وإن غضبنا فلله، وإن دعونا فلله، وإن رضينا فلله، الكل في سبيل الله، لو خرجوا يطلبون الغنائم، والمتاع الدنيوي ما أُعطوا شيئًا، أو لو كانوا عند أول غنيمة، اقتسموها واختصموا فيها، وما الذي وقع في بلاط الشهداء؟

أثقلوا بالغنائم حتى عجزوا عن حملها!

وأقول: استعجال المؤمنين أو استبطاؤهم لنصر الله هذا-أيضًا- مما يجب أن يبين بالأدلة وفقه الدعوة الصحيح أنه مخالف لسنة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإن كان هو حق قال تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا [يوسف:110]، نعم يأتي اليأس.

ويأتي الشعور بأن الأمر قد فرغ، وأنه لا حيلة بعد ذلك، وربما وقع في القلوب أن النصر قد تأخر.. ولكن نقول: لا يجوز للإنسان أن يفقد أمله في الله، وأن يستبطئ نصر الله ووعد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

على الإخوة الدعاة-وفقنا الله وإياهم- أن يعالجوا هذا الأمر مع الأحداث النازلة هذه، وفي كل حدث وفي كل موقف، ومع كل إنسان يدعوه، وأن يعالجوا هذه الغريزة وهذه العاطفة بعدم الاستعجال في أي شيء في تكوينك الشخصي والعلمي وغيره.

بعض الإخوان يقول: أريد أن أحفظ القرآن كله، وأن أكون في العلم إلى حد كذا وكذا، يستعجل ليصل إلى مستوى معين من العلم، فإذا لم يتسن له ذلك-ولن يتسنى طبعًا إلا وفق سنة ربانية معينة- ما جعله الله فيه من مواهب ومن طاقات، وما أعطاه من وقت وإمكانيات، فإذا لم يأته لِمَا أراد واستعجل، فربما قنط، وربما ترك ذلك ولم يكمله.. ففي معالجتك لأي حدث من الأحداث لا تستعجل!

لِـمَ الاستعجال، قبل أن ترى الحدث كله وأبعاده وما وراءه، قبل أن تلقى أو تسأل من هو أعرف منك، وأبصر منك بهذا الأمر؟! لا تستعجل في الحكم، ولا تتسرع.

هناك خصلتان يحبهما الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث أشج عبد القيس الحلم والأناة، فقال: {إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة}، الأناة: الروية، لا يندم الإنسان عليها أبدًا، فإذا دعوت إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فكن حليمًا ولا تستعجل.

رُبَّ مجرم ينقلب خيرًا للدعوة-وهذا ما وقع والله- وينقلب سيفًا بتارًا على أعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وعلى دعاة الشر والفساد، لكن بعد صبر من الدعاة عليه، حتى يفقه الحق، وحتى يستجيب له، وحتى يعرف أنه لم يُدع إلا إلى خير الدنيا والآخرة، فلا بد من الأناة.

أما الاستعجال في القرارات الفردية الشخصية، بأن يستعجل الإنسان في قرار ما، ثم يندم عليه، وكذلك الاستعجال في قرارات الدعوة، فيريد أن يرى الإجابة فورًا، ويريد الاستقامة حالًا، أو الاستعجال في سنن الله التي لم تتغير أبدًا.

لقد وعد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المؤمنين بالنصر إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر:51] لكن الإنسان يقول: لماذا لم يأتٍ النصر؟!! يريده الآن..!

فهذا الاستعجال آفة يبتلى بها الناس ولا ينبغي للدعاة بالذات، ولكل من يقرأ كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقع فيها، وإنما الواجب من الجميع أن يتأملوا سنن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في تغيير الأنفس وفي تغيير المجتمعات.

إننا نحن اليوم والأمة الإسلامية تواجه أعداءها من الشرق والغرب أنستعجل النصر، ونستعجل ما عند الله، وما وعد الله به المؤمنين، ونستعجل كيف نعمل وماذا نعمل؟! مع أن الواجب أن نأخذ الأمور بحكمة وبهدوء وبروية، ونقرأ التاريخ، فنأخذ منه العبرة والعظة، كيف غيَّر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الأحوال؟!

عندما كانت حملات التتار، أو الحروب الصليبية، أو ما كان قبلها من المعارك أو ما بعدها، لقد جعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سننًا للتغيير، وقد ألمحت إلى هذا في محاضرة عن الحروب الصليبية.

مما رأيته من سنن الله تعالى أن جيل الهزيمة لا ينتصر هو لكن ينبثق النصر منه.

فهو أول من يشعر بمرارة الهزيمة ومرارة الذل، وهذه من نعم الله.

وربما صحت الأجساد بالعلل:

فتأتي مصيبة، وتأتي نكبة، وتأتي مشكلة، فيبدأ الشعور بالتقصير، والشعور بوجوب الأخذ بما أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فتبدأ الانطلاقة من هنا، ولكي يكون النصر نهائيًا يحتاج إلى أمد بعيد وإلى زمن طويل، لا نحدده ولا نقيده بسنوات معينة، لكن هو على أية حال يحتاج إلى صبر وإلى أناة.

ومن هنا كان الواجب أنه في كل حدث، وفي كل مرحلة، وفي كل وقت، ألاَّ ننسى دائمًا القواعد الأساسية التي عليها يبنى أي عمل مهما كان.

ومن أعظم القواعد في ذلك، أن توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الأساس الذي يكون منه الانطلاق في الدعوة، والجهاد، وأن التوبة، والإنابة، والضراعة، والاستغفار، وترك الذنوب والمعاصي، والإقلاع عما حرم الله ومحاسبة النفس، كل هذا لابد أن نستصحبه في كل حال.

إذا اراد الفرد في ذاته أن يطلب العلم، فالاستعجال بالتوحيد أول واجب.

إذا أراد أن يجاهد فالتوحيد أول واجب.

إذا أراد أن يدعو فالتوحيد أول واجب.

إذا أراد أي أمر من أمور دنياه فأول شيء لابد أن يبدأ بالتوحيد، ثم بعده يأخذ بسنن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في التغيير، ولله تعالى سنن في ذلك.

فالجيل الأول جيل الهزيمة أو جيل السقوط لا يفعل شيئًا، ولهذا رأينا الهزيمة المدمرة التي مرت بالعالم الإسلامي، كما حدث عام (67) الأيام الستة وما تسمى نكبة وهزيمة ونكسة، إلى آخر ما قيل، فابتداءً منها ولدت الصحوة الإسلامية والعودة إلى الله.

انهارت النظم القومية والاشتراكية، والدعاوى الباطلة، الوافدة المستوردة، وبدأ الناس يفيقون، ويفكرون بالعودة إلى الله.

ولننظر كم نحتاج؟ فإلى الآن لم نصل إلى حد أن نكون أهلًا للنصر؛ لأن المسألة تحتاج إلى طول وقت، ولذلك لما أُخذت القدس في الحروب الصليبية الأولى، وقبل أن يأخذوا القدس أخذوا مناطق أنطاكية، وأجزاء الشام العليا.

ومرت سنوات حتى ظهر نور الدين، ثم جاء بعد نور الدين، صلاح الدين.

ثم كانت حطين في النهاية، ثم بعد حطين كان دخول بيت المقدس.

إنها سنن وإعداد مادي، وإعداد علمي، وإعداد أدبي، فعند قدوم الصليبيين كانت هناك مدرسة واحدة في دمشق تعادل كلية كما نسميها اليوم، ودمشق عاصمة الشام، ولم يكن فيها إلا مدرسة واحدة للعلم وللحديث.

فلما كانت أيام صلاح الدين، كانت المدارس تقارب مائة مدرسة، فلماذا نغفل عن هذا الجانب؟!

ننظر دائمًا أن صلاح الدين جمع الجيوش وانتصر، هذا حق وهذا جانب لا يمكن أن يغفل، لكن هل يمكن أن يكون هذا النصر وهذا الجيش لولا أن هناك أمرًا آخر حدث في الأمة؟!

لقد حدث تغيير أساسي في الأمة، وهو رجوعها إلى العلم وإلى طلب العلم، وإلى الدعوة وإلى الخير.

وهؤلاء العلماء وهؤلاء الدعاة هم الذين حرَّكوا الأمة، فهم العصب الذي يحرك هذه الأمة ويجمعها، ويوحدها على الخير بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد كان ابن قدامة رحمه الله صاحب المغني في ميمنة صلاح الدين..

فاجتمع العلماء على الكتاب والسنة، واجتمع حولهم طلبة العلم على ما اجتمعوا عليه من الحق، فاجتمعت القيادة المؤمنة، مع الدعاة الصادقين، مع طلبة العلم، فكان النصر بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وهذا الذي يجب أن نفكر فيه دائمًا، وأن نسعى إليه دائمًا، وألاَّ نتيح لأنفسنا ولعواطفنا مجالًا للاستعجال، وقطف الثمرة قبل أن تنضج، مهما كان الأمر، ومهما كانت رغبتنا في تحقيقها وفي قطفها، فهذه سنن ربانية، ولا بد أن تتحقق بالنسبة للفرد وبالنسبة للمجتمع، وكل العالم يدرك هذه السنن نوعًا من الإدراك.

فعندما بدأت اليابان تخطو خطواتها في ملاحقة الغرب، بدأت-وهي تدرك هذا الشيء- وصبرت على الابتعاث وعلى التبعية للغرب، حتى أصبحت منافسًا له.

بدأت كوريا من نفس النقطة، وبدأت غيرها من الدول، وهي دول لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر، لكن أدركت السنن، وأنه لابد من إعداد خطة أو منهج، ثم الصبر عليه حتى يؤتي ثماره، دون استعجال تكون فيه النهاية، وتكون فيه الانتكاسة والبدء من جديد.

أقول: إن الاستعجال يحتاج إلى حديث طويل، فنحتاج إلى أن نتحدث عن الاستعجال في أمورنا الخاصة، كالاستعجال في الزواج أحيانًا، والاستعجال في قرار دخول الكلية، الاستعجال في قرار يتعلق بحياتك الشخصية، أو بإقامتك لمشروع ما، أو بأي عمل من الأعمال، لكن هذا مجاله طويل.

وقد حاولت أن أركز الحديث في القضية الأساسية التي يجب أن تكون دائمًا محور حديثنا وموضوعنا.

 
المواطن المحمودة للاستعجال

السؤال: هل توجد مَوَاطن محمودة للاستعجال؟

الجواب: الاستعجال الذي تكلمنا عنه، غير المبادرة إلى اتخاذ العمل الصائب والقرار الصائب في وقته المناسب، فلا يفهم أننا كنا نتكلم عن ذلك، فمثلًا من أكثر الناس حلمًا الأحنف بن قيس رضي الله عنه، كان مشهورًا بالحلم في الجاهلية والإسلام، حتى ذكر في سيرته أنه كان يومًا محتبيًا، فجيء له بابنه وقد قتله ابن أخيه، فلم يفك حبوته.

وقال يا بني، قتلت أخوك!

ثم قال: اذهبوا إلى أم فلان، فإن رضيت، وإلا فأعطوها الدية، ولم يحل حبوته.

وقيل له: نراك حليمًا! قال: "نعم إلا في ثلاث": وهذه الأشياء لابد فيها من المبادرة وغيرها كثير، لكن هذه يذكرها على سبيل المثال:


- الضيف إذا قدم: فهل تقعد وتتكئ والرجل واقف عند الباب؟! هذا ليس بحلم! ولاتقل: هذا من الاستعجال، بل قم وانهض، ورحب.

- وعند الجنازة: وهذه هي السنة، الاستعجال في الدفن، وألاَّ تتأخر.

- والبنت إذا أدركت: البنت إذا أدركت تُزوج، وهذه مفقودة الآن، إذا جاءها الخطيب، قال وليها: لا، حتى تكمل الكلية، بينما هي أدركت في المتوسطة.

وهذا في التعامل الشخصي، وكل إنسان منا يمكن أن تحصل له مثل هذه الأمور.

فالحلم والأناة لهما موضعهما، وأما المبادرة فأحيانًا يحتاج الأمر إلى مبادرة، ويحتاج إلى عجلة لئلا يفوت؛ لأن هناك أمورًا حاسمة، لو فاتت وذهب وقتها، لم تعد تجدي شيئًا.

ومن ذلك: أمور مجابهة أعداء الله تعالى في الحرب، وقد ضرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه أروع المثل في ذلك.

والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء في يوم بدر، ونزل إلى الماء، وجعل الماء من ورائه، وسبق قريشًا إليه.

وهناك أمور وخطط، فيجب أن نواجه أعداء الله ونبادر إلى ذلك، ونحث الهمة ونرفعها، ونجتهد في أن نحقق أكبر قدر، وأكبر نصيب من الخير قبل أن يسبقنا عليه الآخرون، فلا تعارض بين هذا وهذا، بل الحكمة المطلوبة دائمًا أن تكون الأناة في موضعها، وأن يكون الاستعجال في موضعه.

ولكن لما كان الاستعجال من حيث هو طبع غالب، فهو الذي يحتاج الحديث عنه لتقف النفوس عند مواقف معينة، فلا تغلبها هذه الطبيعة وهذا الدافع، فتنسى ما ينبغي أن تكون عليه، إذ الأصل أن يكون الإنسان حليمًا، وكما نرى أي إنسان منا يذهب إلى آخر، ويراه يتعامل مع قضية بهدوء وبأناة، ثم ينتجها ويحكمها، يُسَرُّ منه، أكثر مما لو رآى أحدًا استعجل ثم لم تثمر عجلته شيئًا.

سبل معالجة الاستعجال:

السؤال: ما هي السبل أو الأسس التي يستطيع بها الإنسان أن يعالج الاستعجال؟

الجواب: هذا يحتاج إلى التربية والتكوين، فالفرد منا -وكذلك الأمة- يحتاج إلى تربية، وإلى تكوين يستطيع به أن يميز بين مواضع العجلة ومواضع الأناة ومواضع المبادرة، بحيث يستطيع أن يضع الشيء في موضعه، فلذلك لابد من هذا التكوين للفرد، ولا بد منه للأمة.

ومن ذلك أن ندرس ونقرأ ونتأمل سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحياة الأنبياء وجهادهم-صلوات الله وسلامه عليهم- وجهاد الصحابة والتابعين وصبرهم، وسير العلماء.

فالإنسان منا عندما يقرأ في صفة الصفوة، أو طبقات ابن سعد، ويرى هذه السير، يجد العجب العجاب، ويجد أمثلة حية.

أولئك الرجال الذين وهبهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذه القلوب الكبيرة، وهذه النفوس العالية، وهذه الهمم العظيمة، مع الأناة والهدوء وعدم الاستعجال، حققوا ما لم تحققه أجيال ولا أعمار!

فلو أعطي أمثالنا أو من المتأخرين أضعاف أعمار أولئك، ما حققوا مثلما حققوا، فسبحان الله العظيم! كيف كان هؤلاء الناس؟!

أقول: هذه النماذج مما يكوّن لدينا ذلك التكوين والتربية عليه، وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، وإنما الصبر بالتصبر}.

كل إنسان يحاول أن يطبع نفسه، إذا كان يعرف أنه عجل-وكل إنسان عجول- ولكن بعض الناس يعرف أن عجلته زائدة عن القدر اللازم، فإنما الحلم بالتحلم، فيعود نفسه أن يكون حليمًا، ويصبر نفسه أن يتحمل.

وإن كان الموقف لا يطاق، وإن كان لا يستطيع أن يتحمل، لكنه يُعود نفسه على ذلك، وقد يكون الإنسان حليمًا عن صفة طبعه الله عليها، وقد يكون حليمًا عن صفة هو تخلق بها وتعودها، حتى صارت صفة فيه.

ومن أعطاه الله الحلم والأناة من عنده فتلك سجية عظيمة، ومنة كبيرة، لكن لا يعني ذلك أن من لم يؤتها لا يصبر نفسه حتى يكون ممن يتحلى بها، بل يجتهد الإنسان في ذلك، والله تعالى سيوفقه، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، فمجاهدة النفس في الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لتكون مستقيمة على أمر الله هذه عبادة، وتأذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لمن فعلها، واتخذ هذا السبب أن يحقق له النتيجة بإذن الله.

المبادرة مع الخشية من الوقوع في الزلات:

السؤال: أحيانًا تكون المبادرة في بعض الأعمال مما يحقق مكاسب للدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولكن الإنسان يخشى أحيانًا أن يبادر فيقع في بعض الزلات أو الأخطاء، كأن مثلًا يُدعى إلى جهاد أو إلى عمل في منطقة ما، فيخشى إذا تأخر أن تفوته فرصة العمل لهذا الدين ونشر منهجه الصحيح، وإذا بادر فإنه أيضًا يخشى أن يقع في زلات أو أخطاء، فكيف الحل في مثل هذا؟

الجواب: الحل سهل والحمد لله، فنحن لا نعني بالمبادرة أن يتخذ قرارًا اللحظة أو الآن، كما لا نعني بالأناة أن يؤجل الأمر سنة، فهو يستطيع في أيام أو في أسابيع أن يستشير وأن يفكر وأن يخطط، ثم يمشي على بينة.

كثير من الشباب الذين يدفعهم الاستعجال في مواقف معينة، كإنكار منكر قد يؤدي إلى منكر أعظم منه، وفي أمور قد يظن أن فيها خيرًا للدعوة وتكون شرًا، فالمراد هو الاستعجال الآني: أن تكون الفكرة وليدة اللحظة.

أما إذا كان هناك أمر أنت مهيأ له، ثم جاءتك فرصته، فقمت، فليس هذا من باب الاستعجال، بل هذا الذي نسميه (المبادرة).

مثلًا: هناك إنسان مقبل على الله، وأنت تريد أن تهديه وأن تدعوه، ولكنك تتمهل، وتقول: حتى تأتي فرصة مناسبة..!

يقول أحدهم: اليوم أريد أن أعتمر، فلا تقل: دعها إلى الأسبوع الآتي ونفكر، وننظر، أو نكون مع بعض، فهذه مشكلة.

لكن إذا كان القرار موجودًا والمبادرة هذا وقتها، فانطلق أنت وإياه في أقرب وقت ممكن.


وشخص آخر يريد أن يتوب، وقال: أنا عندي بنك ربوي، وأفكر أن أتخلص منه، فلا تقل: انتظر حتى نعمل لك دراسة، ونعطي لك خبرًا بعد شهرين..!

 
هذا لا ينبغي يصلح، بل نقول: ابدأ واستغفر الله، واعمل كذا، والآن آتيك وأتصل ببعض العلماء، لتعرف ماذا تعمل، وكيف، هذه هي المبادرة.

 
فالمبادرة تكون في الشيء الواضح، أما الشيء الذي يحتاج إلى روية، فلا بد من الروية والتفكير والاستشارة، لكن كم مدة الاستشارة؟!

 
أيضًا قد جعل الله لكل شيء قدرًا، بالمعروف والحكمة، فتكون فترة محددة، ثم بعد ذلك يكون القرار الصائب بإذن الله.

الفرق بين الحكمة والتساهل في الدعوة إلى الله

السؤال: قد يختلط على الإنسان أحيانًا التفريق بين الحكمة والتساهل في الدعوة إلى الله، فربما يتخذ مسألة الحكمة وعدم الاستعجال سبيلًا إلى التهاون والتساهل، فهل من توضيح لهذا؟

الجواب: هذه مع الأسف حقيقةً! وأصبح ذلك ذريعة للتهاون، فإذا نصحت إنسانًا، فإنه يقول: يا أخي! الدعوة تكون بالحكمة.

بعض الذين يقولون هذا الكلام، لا نراه يدعو أبدًا، فإذا وجد داعية يدعو، قال: لابد من الحكمة، إلى متى الحكمة؟! وما معنى الحكمة؟!

ثم هو لا يقول الحق، ولا يأمر بالحق ولا يظهره، فإذا تكلم إنسان، وقال كلمة الحق، قال: يا أخي! لابد أن يكون بالحكمة!

 
وهذا مما يعانيه الشباب ويعانيه الدعاة، أن هناك من يعكس الأمر.

الحكمة لا يجوز أن تكون سلاحًا في وجه من يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله؛ لأن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دائمًا معارضة لرغبات الناس ولشهواتهم؛ فالجنة حفت بالمكاره، وأما النار فحفت بالشهوات، فالإنسان إذا دعا إلى الله، وأمر بالمعروف.

ونهى عن المنكر، فلابد أن يصادم رغبات الناس، فالناس يريدون أن يناموا إلى ما شاءوا، لا يريدون القيام لصلاة الفجر، فإذا قلت له: يا أخي! جزاك الله خيرًا، قم صلِّ الفجر، جاءك شخص، وقال: يا أخي بالحكمة، فهل قصده ألا تكلمه البتة؟!

وإذا نصحت إنسانًا-زوجته متبرجة- بالأسلوب الحسن، وهو عكس رغبتها؛ لأنها تريد أن تخرج، تريد أن تذهب إلى السوق، لا نتوقع أن الأسلوب ما دام حسنًا وما دام حكيمًا أن الزوج يقول: جزاك الله خيرًا، والمرأة تتحجب..!

بل ربما ينكرون ويصيحون!

ويأتيك أحدهم يعاتبك، وما سمع بالقصة، ويقول: يا أخي، لو دعوت بالحكمة!

وأي منكر أنكرته، أو كلمة حق أظهرتها وقلتها، فإنهم يأتونك ويقولون: لو كانت بالحكمة!

لكن ما هي الحكمة؟

الإنسان قد يستنفد كل أسباب الحكمة، ومع ذلك لا يُقبل، ويكون مخالفًا لرغبات الناس، فالناس دائمًا تريد المدح، وتحب الثناء، قال تعالى: وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا [آل عمران:188].

فإذا قلت له: أنت على خير، وأنت طيب، سُر من ذلك وهو يعرف أن هذا غير صحيح.


لكن لو قلت: يا أخي! أنت وأنت، ومدحته، ثم قلت له: هناك أمر أريد أن أنبهك عليه، وأتيته بأسلوب.. كأنك تحدثه عن شخص غيره وقال: يا شيخ لو كلمته بحكمة!

وهذه مشكلة! فيجب علينا نحن أن نضبط عواطفنا ونفسياتنا، ولا نترك الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر ولا كلمة الحق، وأي شيء نرى فعلًا أنه بحكمة، نجتهد في ذلك، ونتوكل على الله، وعليه التكلان دائمًا قبل العمل وبعده، فنتوكل عليه ونجتهد في الحكمة.

فإذا جاء إنسان وقال: هذا خلاف الحكمة.

 
نقول له: بَصِّرْنا كيف نعمل! فإن كان عنده بصيرة، أو رأي جزاه الله خيرًا، وإن كان كما نلاحظ هذه الأيام، يريدون ألا نقول ولا نعمل ولا ندعو؛ باسم الحكمة! فهذه ليست حكمة، بل هذا خذلان وتثبيط، وترك لما أوجب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يجوز أن نقر الناس على هذا.

 
حقًا إن الحكمة أصبحت سلاحًا يشهر به في وجه من يدعو إلى الله، ويقول كلمة الحق، وإن كانت بأحكم ما يمكن أن تكون من الحكمة، والله المستعان! والنفوس لا تقبل الحق، وهكذا جبلت، وهكذا طبعت، لكن لابد من الصبر عليها، ولله عاقبة الأمور.

   
الاستعجال في تطبيق الفتوى مما يسبب الإرباك:

السؤال: بعض الإخوة يقرأ فتوى أو حديثًا، فيتعجل ويعمل بها، وربما يلزم الناس بها، مما يسبب إرباكًا له ولغيره، فما نصيحتكم لمثل هذا؟

الجواب: نعم هذا من الاستعجال، أن الإنسان يقرأ شيئًا من العلم أو من كلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من كتاب الله، أو من كلام أهل العلم، فيستعجل في فهمه، ويستعجل أيضًا في تطبيقه وفي العمل به، فلا يتأنى ليتبين له ما معناه، وما ملحظه.

 
النصوص قد تعب فيها العلماء الجهابذة الكبار، في تخريجها، وفي بيان ألفاظها ومعانيها، وفي تنزيلها على مواقعها.

 
العلماء يقولون: لابد من تحقيق المناط، ومن تنقيح المناط، ومن تخريج المناط، في أي نص من النصوص، لكننا الآن نقرأ النص رأسًا، ولا شك أن من الخير والفضل أن يبادر الإنسان بالعمل، لكن لابد أن تفهمه وتفهم موضعه، وأين دلالته، وما مقتضى دلالته، فكونك تستعجل وتنفذ فورًا، هو لا شك مطلوب، لكن بعد أن تفهم ما المقصود منه، وماذا يراد به، ولهذا يقول تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

علينا أن نسأل وأن نتبين ما المقصود بهذه الآية وهذا الحديث وهذا النص، فيما يشكل علينا معناه؟ وليس هذا في أمور عباداتنا بالذات، فالأمور واضحة ومدروسة، ولكن أقول أيضًا: إن هناك أمورًا خاصة في الوقائع والنوازل لابد أن نتأنى فيها، وأن نسأل العلماء، وأن نأخذ كلامهم، وأن نستفهم ماذا أردت بهذا الدليل؟ ماذا أردت بهذه العبارة؟

ثم بعد ذلك يكون عملنا على بصيرة، والإنسان لا بأس أن يسأل عالمًا أو عالمين، ويسأل من يطمئن إلى من يتحقق فيه أمران، وهما: معرفة الدليل الشرعي من جهة، ومعرفة الواقع المسئول عنه من جهة أخرى.

فإذا سألتُ إنسانًا عن طبيعة عملي،-فمثلًا- أنا أعمل في بنك، فعليّ أن اسأل يعرف طبيعة البنوك، بالإضافة إلى أنه يعرف أحكام الربا، فلا بد من الشرط الثاني، كما ذكر شَيْخ الإِسْلامِ، عندما سئل عن قتال التتار، قال: إن الأمر يتعلق بأمرين: الأول: معرفة حالهم، والآخر: معرفة حكم الله في مثلهم، فننزل الحكم على محله، فيكون الحكم صحيحًا.

حال من يشكو من صراع نفسي:

السؤال: يقول السائل: إن هناك صراعًا نفسيًا يصاحبه-وعبَّر أنه يصاحب كل ملتزم بهذا الدين- فهل هذا الصراع من الابتلاء الذي ابتلاه الله عز وجل به؟ ويقول: إنه ساءت نفسيته بشكل شديد جدًا، حتى أصبح يطلب النصر من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لشدة ما يعانيه هذا المبتلى، فبماذا تنصحون هذا الأخ؟

الجواب: ليس كل تائب، وكل مقبل، وكل منيب إلى الله، يعاني من ذلك، ولكن عمومًا كل من دعا إلى الله أو أقبل على الله وتاب، لابد أن يجد ما يشق على النفس، أو ما يجهدها، من داخل النفس أو خارجها، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ [الفرقان:31]، وللنفس دائمًا ثلاث حالات لا تخلو عنها:

إما النفس الأمارة بالسوء، أو النفس اللوامة، أو النفس المطمئنة، فالأمارة بالسوء-وهذه عند أكثر الناس إلا من رحم الله- دائمًا أنفسهم تأمرهم بالسوء.

والمؤمن نفسه لوامة، تأمره بالسوء أول الأمر فيفعله، ثم تلومه عليه: لماذا ذهبت إلى السوق من غير غرض شرعي؟

لماذا نظرت النظرة المحرمة؟

لماذا قلت الكلمة الآثمة؟

فتلومه-كما فسرها السلف- على ما فرط وما بدر منه.

 
الثالثة هي: النفس المطمئنة وهذه هي الدرجة العالية.

 
والنفوس المطمئنة: هي التي يصبح الخير والحق هو همها، وهو ديدنها وهو حياتها، وهذه من نعم الله إذا منَّ الله تعالى على الإنسان، بأن تصبح نفسه مطمئنة.

 
فالأخ المهتدي والمستقيم في مرحلة النفس اللوامة، يجد ربما ما يسميه بعض الإخوة الصراع النفسي، وأنه متردد، تأتيه دوافع للقنوط، ودوافع للرجاء والأمل، الخوف والرجاء دائمًا يتصارعان في نفسه.

ويأتيه حب الخير والإقدام عليه من جهة، ومثبطات ومخذلات من جهة تكبله.


يريد أن يحفظ القرآن وأن يتعلم العلم، ولكن يأتيه ما يعيقه.


فتجده يعاني ما يعاني من الصراع.

 
فالأب والأم والأهل والزوجة، والأقارب والزملاء في العمل يريدهم أن يهتدوا، هذا من جهة، ومن جهة قد لا يمتلك أسبابًا تعينه في الدعوة، فيعاني هذا الصراع.


وكل إنسان يعانيه، لكن علينا أن نأخذ بالأسباب وبما أمر الله ونجتهد، ونصبر حتى نستكمل ما أراد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإن لم يصل الإنسان إلى مرحلة النفس المطمئنة، فعلى الأقل يلقى الله، وهو يجاهد نفسه لكي تكون مطمئنة.

وما ذكره الأخ من الضراعة في الدعاء لطلب النصر، هذه نعمة، فشعورك بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ابتلاك بهذه البلوى، وتضرُّعك ولجوءك إليه نعمة، كما قال ابن القيم رحمه الله:''إن الإنسان يلجأ إلى الله ويتضرع إليه، فيجد من حلاوة مناجاة الله ومن لذة الدعاء، والتذلل، والتضرع إلى الله، والانكسار بين يديه، نعمة تنسيه النقمة التي يدعو الله أن تزول عنه، أو تنسيه النعمة التي يطلبها من المنعم''.

 
التضرع والدعاء نعمة، والذكر نعمة، ولهذا قال شَيْخ الإِسْلامِ: ''إنه ليأتي عليَّ أحوال، فأقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي نعيم'' ويشعر الإنسان أنه مع الله، وأن عمله مع الله، وأنه مستمسك بحبل الله وبالعروة الوثقى من عند الله، ويصل إليها الإنسان المؤمن بإذن الله بمثل هذه الحالات، بمرض، وبمحن، وبالآلام.

وكل رسول، وكل داعية يبتلى ويمتحن ويفتن ويُؤْذى، فيجد مثل هذه النعمة في طريقه إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

  
حال الشباب المذبذبين:

السؤال: بعض الشباب هداهم الله تتذبذب آراؤهم في كل حين، فتراه في الليل له رأي، وفي النهار له رأي، وينتقلون أحيانًا من النقيض إلى النقيض الآخر، فما نصيحتكم لهؤلاء الشباب؟

الجواب: هذه علامة من علامات الاستعجال: عدم الانضباط، التذبذب، وهو مرض في بعض الناس حتى إنه في قراراته الشخصية اليومية يتعب، وبعض الناس يمهد لنفسه أن يصاب بهذا المرض، وذلك لأنه لا يحسن الأمر، ولا يأخذه من أبوابه، بل عجلته في اتخاذ قرار معين هي التي تجعله يندم، ثم تجعله يستعجل في القرار المضاد، ثم يستعجل بضده.. وهكذا.

 
من أعظم صفات المؤمنين الاطمئنان والسكينة، ولذلك فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما امتن على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنزل عليه سورة الفتح قال: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح:4].

وقد كانت النفوس جياشة، كيف يكون هذا الصلح؟! أنرضى بالدنية في ديننا؟!

 
وكانت القلوب تغلي من الحدث، فلما أنزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى السكينة في قلوبهم، واطمأنوا وتأملوا، وأيقنوا أن ما وعد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الخير، وأن ما فعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الخير.


ثم ثبت ذلك في العام الذي بعده، فما بعده، وإذا به فعلًا يكون الخير ويكون الفتح المبين كما قال تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]، فهذا فضل عظيم، وفرح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جدًا لما نزلت عليه هذه السورة.


الطمأنينة والسكينة من صفات النفوس المؤمنة، ويجب أن نسعى إلى أن تكون نفوسنا إن شاء الله كذلك، فنطمئن دائمًا بذكر الله أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

 
تطمئن أيضًا القلوب وتسكن بالتفكر في وعد الله، وفي أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإن أملى وإن أمهل فإنه لا يهمل أبدًا، وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لن يخلف وعده، وأن نصره سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى متحقق، وأن عافيته ستأتي وإن كنا في حال البلاء.

وأن نصره سيأتي وإن كنا في حال الهزيمة، وأن عزه سيأتي وإن كنا في حالة ضعف، وهذا مما يطمئن الإنسان به نفسه، ويجتهد في ذلك حتى يأتي الفرج بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

أما أن تكون صفة الشباب هي التذبذب، فهذا دليل على أنه ليس لديه ثبات علمي، ولا ثبات في الرأي، ولا استشارة ممن يملكون الرأي، وأحيانًا قد يشار عليه ولكنه لا يفعل، ولا يريد أن يفعل، فينقلب ويتخبط، وهذه آفة نسأل الله تبارك وتعالى أن يرفعها عن الشباب وأن يبعدها عنهم.

الكلام حول التنظيم الأصولي والإرهاب:

السؤال: في جريدة الحياة كتب أحدهم موضوعًا عن فشل التنظيم الأصولي-كما يسميه- ثم بعد أن تكلم عن هذا قال: إنه سيتكلم في عدد لاحق عن كيفية مواجهة الإرهاب، يقول السائل: من المقصودون بهذا؟

الجواب: الأصوليون أنتم... وأنتم المقصودون، كان الغرب يتكلم عن الأصولية الإيرانية كما تسمى أيام الخميني، ثم عرفها وعرف حقيقتها، وعرف ما قدمت له من رصيد لمحاربة الإسلام من أفعالها ومن تصرفاتها.

والآن إذاعة لندن تسمعونها قبل أحداث الخليج ومن سنوات تتكلم بذلك، وكذلك مونتكارلو، وصوت أمريكا.

الكلمة البديلة، والتي يخشون من ظلالها، والأصولية الحقيقية التي يخافونها هي ما يسمونها بـالوهابية.

يقولون: الجهاد الإسلامي في أفغانستان نوعان، التنظيمات الوهابية، وهذه التي لا تقبل مساومة.

وأما التنظيمات الأخرى فهي التنظيمات المعتدلة، بمعنى أنها تقبل الحكم الديمقراطي والنيابي، وهذا هو المعتدل عندهم.

الأصولي: من يرجع إلى الأصول، أي: إلى قال الله وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم لا يريدون إلا المعتدل في نظرهم، والوسط على مزاجهم، أما الذي يريد الحق كما أمر الله، وكما أنزل الله، فلتأته التهم، ومنها أنه أصولي، ويربطون بين الإرهاب والأصولية.

باول شميدس في كتابه الإسلام قوة الغد العالمية، يقول عبارة خطيرة جدًا لكنها حقيقة، يقول:

''إنه قد تبين من التاريخ أو من استقرائه أنه أينما وجدت الحركة الوهابية، فإنه يوجد معها مقاومة الغرب ومقاومة الاستعمار''.

لأن منهجهم قال الله، قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنهج الغرب وحضارة الغرب وإلحاده وكفره شيء آخر، فلا يجتمعان، وقد وجدوها هم في جزيرة العرب وهي منبع ومهبط الدعوة.

في الهند عندما كان عباد الأبقار قد استسلموا للإنجليز حتى كان الإنجليزي-خاصة من أهل اسكتلندا- من شحه لا يركب قطارًا ولا يركب حمارًا بل يركب على ظهر الهندي، ويمشي به مسافة بعيدة.

وأما المسلمون فكثير منهم من تخاذل وركن إلى الدنيا، ومن جاهد وقاوم الاستعمار الإنجليزي وجدوا أنه متأثر بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، أو على منهجه. وجدوهم في نيجيريا: عثمان بن فودي ومن معه.

وجدوهم في الصومال وجاهدوهم.

حتى مهدي السودان أصل دعوته كانت على منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب من التوحيد وهدم القبور، ثم دخله الفساد-والعياذ بالله-، لكن أول دعوته كانت محاربة الشرك والبدع.

وكذلك عمر المختار في ليبيا.

والأصولية الوهابية التي ترجع إلى الكتاب والسنة، أو الحنبلية كما تسمى أحيانًا، وهي ألقاب ينبزون بها من يدعو إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

الأحداث الأخيرة غطت على ما حدث في الجزائر، بغض النظر عن رأينا الكلي فيها حدث. وهناك عبرة معينة أريد أن أسلط الضوء عليها الآن:

لقد انزعجت الصحافة الفرنسية وانزعج الغرب انزعجوا جدًا من انتشار الأصولية في الجزائر؛ لأنهم عرفوا دعوة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله، وأنه أقام الدعوة على أساس التوحيد، ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كما جاء بها، وكتب عن الشرك والبدع والخرافات.

وكان من منهج الشيخ عبد الحميد أن أول ما يبدأ به هو محاربة البدع والخرافات عند الشعب، حتى ينتشر العلم الشرعي، ثم الولاء والبراء، ثم الجهاد، وهي مرحلية لم يفطن لها الاستعمار، ولهذا تركوه أول الأمر يدعو، وتركوه يفتح الصحف، وما فطنوا إلى أنه لا يرضى بالوجود الفرنسي.

لكنه-رحمه الله- يريد أن يبدأ بالأساسيات، مرحلة الدعوة أولًا.

نقول: تحليلات خطيرة جدًا غطت عليها الأحداث الأخيرة، وكانت دائمًا ترددالأصولية في الجزائر، الأصولية هنا، والحادث الذي جرى في جزر ترينداد، ربطوه بالأصولية وبـالجزائر، وقالوا: الأصولية خطر يهدد العالم، لكن جاءت أحداث أخيرة وطغت على ذلك، والله المستعان!

المستعجلون من الشباب في طلب العلم

السؤال: بعض الشباب يستعجل في الوصول إلى أعلى درجات العلم والعلماء، حتى إنهم يقولون على الله بغير علم، ويفتون بغير علم، وبعضهم يقرأ كتبًا أعلى من مستواه، ومن مستوى إدراكه، فما نصيحتكم لهؤلاء؟

الجواب: هذا من أنواع الاستعجال: الاستعجال في طلب العلم، وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه لما فسر الربانيين وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79] قال: [[و من يربي الناس بصغار العلم قبل كباره]].

ولا يعني بالصغر والكبر أن الصغيرة النوافل والكبيرة التوحيد.

إنما يعني بالصغار: البديهيات والمسلمَّات الواضحة، والكبار: هي الأمور المعقدة والصعبة، ودائمًا أقول للإخوة الكرام: ابدءوا العلوم بدراسة متون معينة، مبسطة، ثم خذ شرحًا مبسطًا عليها، ثم توسع فيما بعد ذلك.. وهكذا.

لكن عندما يأتي بعض الإخوان يريد أن يبدأ في طلب العلم، فيبدأ في الكتب الكبيرة، فبعضهم قال: بدأنا بـفتح الباري، والأخ الثاني يقول: بدأنا بـمجموع الفتاوى.

سبحان الله! إنني عندما أقرأ في فتح الباري، أجد أنني أحتاج في صفحة واحدة إلى أن أراجع عدة كتب، وأن أنقب، وأن أفتش، وأن أكلم المشايخ بالتلفون، فالمسألة ليست سهلة، ويمكن أن يكون هناك من فتح الله عليه، لكن أنا أقول فيما نرى وما نعلم من تكويننا وتربيتنا جميعًا؛ لأن دراستنا دراسة نظامية، وهي لا تعطينا الزاد الكافي لمثل هذه الأمور.

كذلك مجموع الفتاوى لشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، بعض الكلمات مع الأسف مطبوعة خطأ، ويأتي من يشرحها، وقد تمرس على كلام شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، فيشرحها خطأ.
 
وأحيانًا تكون غير مشروحة في الهامش، أو غير واضحة، أو واضحة، لكن لم يفهمها؛ لأنه رجل عميق، يكتب في بحور من العلم عميقة وغزيرة، يحتاج كلامه إلى أن يفهم على مستوى معين، فلا نستعجل فنطمر الأمور طمرًا.

إذا بدأنا بـفتح الباري، ومجموع الفتاوى ننتهي بـعمدة الفقه، أو بـالأربعين النووية.. بدأنا السنة من أعلاها، ولم نأخذ الأمور من أولها.

 بعض الإخوة يبدأ بالقراءات، ولا أعترض على من لديه دراسة منهجية يمكن أن يحفظ القرآن بالقراءات، لكن بالنسبة للحالات العادية، وهي من كان مثل حالة معظم الإخوة، الذين يعيشون طبيعة دراسية نظامية مع عمل وأسرة، فهذا أقول له: ابدأ بما أمكن أن تبدأ به وأتقنه، ثم انتقل إلى ما بعده.

والسلف الصالح رضي الله عنهم ضربوا لنا المثل في عدم العجلة فقد كانوا يطلبون العلم ويرحلون في طلبه، ثم يحدثون، لا تجد أحدًا من العلماء ابتدأ يحدث، بل تعلم وحفظ وطلب العلم، ثم حدث.

السيرة النبوية ومراحل الدعوة:

السؤال: لا شك أن قراءة سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودراستها مما يقي الإنسان من الوقوع في العجلة وفي الاستعجال، ولكن هل يلزم الداعية إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يدعو سنين دعوة سرية كما فعل عليه الصلاة والسلام، ثم ينتقل إلى الأقربين.. وهكذا، أي ثلاث عشرة سنة مثلًا بحال معين، وأخرى بحال أخرى، أم أن الاستفادة تكون عامة؟

الجواب: لا شك أن دراسة سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرورية، وهي الأساس الذي يجب على كل داعية أن يتخذه منهجًا في دعوته، فهو الأسوة الحسنة لنا، لكن فرق بين التقيد الحرفي بوقت الدعوة، بمددها ومراحلها، كما فعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبين أن ننظر إلى ثمرة المرحلة، ونهاية المرحلة، وغاية المرحلة، فالوضع غير الوضع.
 
فقد بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوم كفار، كما هو معلوم، ولكن نحن الآن في أمة مسلمة، ولكنها تحتاج إلى تصحيح، هذا أحد الفوارق وأهمها، وهناك فوارق أخرى.
 
فننظر إلى الثمرة، فما هي ثمرة المرحلة الأولى؟ وما غايتها؟

غاية المرحلة الأولى السرية هي إيجاد أناس إذا ظهروا فيما بعد يكون لديهم قوة، لا يستطيع الأعداء أن يستأصلوهم، وإن كانوا سيؤذون، وقد أوذوا، فإذا وجدت الدعوة في بيئة لا تحتاج إلى هذه المرحلة؛ لأن الفئة المؤمنة يمكن أن تظهر أو هي ظاهرة، بمعنى أنها واضحة، ومع ذلك لم تستأصل، فهذا خير.

إذًا: لا نحتاج إلى المرحلة الأولى لأن ثمرتها موجودة والهدف منها موجود.
 
مرحلة الجهاد: نقول أيضًا: لو وجدت أمة تعيش في مرحلة يمكن أن ننقلها رأسًا إلى مرحلة الجهاد، نقول: على هذه الأمة أن تجاهد، وننقلها إلى الجهاد، ونستكمل بعض أمور التربية في الجهاد، وهذا صحيح.

لكن إذا وجد أن الأمة تحتاج أولًا إلى الدعوة والعلم والإعداد للجهاد، والجهاد لا نقصد به جهادًا معينًا في بلد معين، بل الجهاد باعتباره حالة دائمة، فالأمة الإسلامية في جميع عصورها في حالة استنفار دائم، ويجب أن تكون مناهجها مناهج جهادية، وحياتها حياة جهادية، فجهاد الطلب عندنا هو الأساس.

ومفروض أننا نصلح أوضاع الأمة هذه، ثم نقوم بجهاد الطلب، ونقاتل.
 
وجهاد الطلب غير جهاد الدفع، فجهاد الطلب: أن نذهب إلى الصين، إلى الروم، نغزوهم في بلادهم، لندخلهم في دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهكذا يجب أن تكون حياة المسلمين جميعًا، فنعد العدة لهذا الجهاد.

نعد الأمة في مرحلة الدعوة لهذه المرحلة التي هي آخر المراحل وهي مرحلة الجهاد، فيبسط الله سلطان هذا الدين في الأرض، ويُمكّن له، ويورث الأرض عباده الصالحين كما وعد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويمكّن لهم، ويورثهم الأرض بهذا الأمر.

إذًا: يكون الأمر بحسب البيئات وبحسب أحوال الناس، وبحسب المقصود بتلك المرحلة، أما التقيد الحرفي فليس صحيحًا كما يظن بعض الإخوة.

بعض الجماعات أو الدعوات فهمت تكفير المجتمع بناء على المرحلة المكية، وأسقطت كثيرًا من التكاليف، وقالوا: نحن في المرحلة المكية، وهذا من أكبر الأخطاء الدعوية.

ومن جملة ما فيه من أخطاء: أنه نسخ أحكامًا ثابتة قطعية، بدعوى أو بزعم الرجوع إلى مرحلة قد نسخت وانتهت.

فلا بد من إدراك متأنٍ ومتفقه، في مسألة الفرق بين هذه المراحل، وبين ضرورة الإفادة من سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا شك أنها الأساس، والصحابة الكرام-رضوان الله تعالى عليهم- كانوا ينظرون إلى واقع الأمة، فيبنون على الواقع الموجود.

فعندما وصلت الأمة إلى مرحلة الصفر، كما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما بدأ دعوته من مرحلة الصفر، ومثل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، حيث جاء والأمة قد نزلت إلى الصفر إلى الشرك، فما بعد الشرك شيء، وابتدأ يدعو كما دعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى التوحيد، وابتدأ قليلًا قليلًا ثم قامت من جديد ولله الحمد!

لكن في عهد الإمام أحمد كان الانحراف في مسائل معينة كلامية مثل خلق القرآن وما أشبهه، فقاومها، وقضى عليها، والحمد لله! الأمة صالحة.. وهكذا، فالمرحلية يجب أن تفهم فهمًا صحيحًا.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

الكاتب: فضيلة الشيخ د. سفر بن عبدالرحمن الحوالي

المصدر: موقع الشبكة الإسلامية